بسم الله الرحمن الرحیم. الحمد لله رب العالمین. الرحمن الرحیم. مالك يوم الدين. اياك نعبد و اياك نستعين. اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالین.
منذ أمد بعید، کان بین مجموعة العلوم القرآنیة و الی جانب الفروع الدراسیة و التعلیمیة و البحثیة لهذه المجموعة من العلوم، مثل علم المحکم و المتشابه، علم اسباب النزول، علم الناسخ و المنسوخ، علم القرآءات و علم رسم المصحف، شعور بالخلأ إزاء فقدان نزعة و اتجاه تعلیمي و بحثي و دراسي معین و معرّف و شامل بعنوان «معرفة القرآن» و یمکن القول أن هذا الخلأ لایزال قائما حتی لو فرضنا بشتی انواع التبریرات و مختلف الایضاحات أن هناﻙ في الموسوعات الشاملة نسبیاً مثل البرهان للزرکشي و الاتقان للسیوطي توجد في الواقع بشکل او بآخر بابا یتطرق لمختلف العلوم القرآنیة کعلم القرآن، علم معرفة القرآن او ما شابه ذلـﻚ، الا أنه من المسلّم به، أن بین مواضیع هذا الباب في العلوم القرآنیة یلاحظ قطعا الافتقار الی بحث حول موضوع «فطرة» النص القرآني و الشعور بأنه کان و لایزال قائماً لحد الآن، و کذلــﻚ یظل هذا السؤال بانتظار أجابة شافیة و کافیة و هو هل أن طبیعة و فطرة النص القرآني الهي و عرشي و سماوي، ام أرضي و بشري و أنساني؟
بنزعة واقعیة ، یجب أن نقول أن هذا البحث مصیري جداً و مؤثر فاعل في حقل دراسات معرفة القرآن و في مضمار التعالیم و البحوث الواسعة للعلوم القرآنیة، و في نفس الوقت کان بحثا قدیما و دائما و محط جدل في کل مکان، و في نفس الوقت ظل مغفولا عنه. بالطبع المقصود، هو بقاء مرکز الثقل و «نص» هذا البحث مغفولا، ذلـﻚ ان تاریخ العلوم الاسلامیة شاهد علی أنه و للاسف هناﻙ علی أقل تقدیر هامشتین بالطبع غیر محکمتین تماما و غیر مطلوبتین الی حد ما لهذا البحث کان دوما فعالاً جداً. احدی الهامشتین من هذا الجانب، صاغوها بعناوین العَلَم المختلفة و الرایات المتنوعة و حول «ماهیة القرآن الالهیة» دوّنوا مئات «التاکید علی التاکید».
هذه الزمرة، في الواقع لم تکن بعیدة الشبه من ذلـﻚ الشخص الذي طبقا للمثل المشهور بادر بکل قوة و قدرة و رغبة و فاعلیة، بصب کمیة من الماء في الهاون الحجري و أنهمـﻚ بکل جدیة بدقه و طحنه.في حین أن الماء بعد 48 ساعة و ربما اکثر من ذلـﻚ دقه في الهاون لن یطرا علیه أي تغییر مما کان علیه في اللحظة الأولی.
هذه البحوث الهامشیة ایضاً بالرغم من جاذبیتها الکثیرة و جذابیتها الشدیدة، بدأت دوماً و علی مدی تاریخ القرآن و تاریخ الاسلام، تماماً من حیث أنتهت، و تکرار تلـﻚ البحوث المتکررة لم یغیر أي شي جدیر بالاهتمام و لم یجب علی أي استفسار بحثي.
«المنطوق الصحیح کلمتان» و «کلمة الحق لا رد علیه». القرآن کلام الله؛ حدیث الرب. لا مجال هنا لأي حرف او کلام. الجدیر بالاهتمام و التنبه و التذکیر هو أن في هذا المناخ الصاخب علی إثر طرح و شرح انواع المواضیع المتعلقة بان القرآن هو کلام الله یلاحظ دوماً أن جوهر المسألة قد تم حذفه و إن أصل الموضوع قد أمسی في ظل المناقشات و ابداء وجهات النظر الشخصیة و الأنانیة الفردیة او الجماعیة و الطائفیة.
ربما کان لمولانا جلال الدین البلخي الرومي عندما قال ذلـﻚ الکلام الرصین: «کل شخص بظنه أمسی صدیقا لي» کان له نصف نظرة او نظرة تامة و کاملة علی هذا الاستنتاج و الملخص الحاضر.
بعبارة أخری، اعتبر هؤلاء المفکرون و العلماء الکبار و الفطاحل، احدی المبادی الثابتة و الصحیحة و القطعیة أمر مسلّم و مفروغ منه و لجأوا الی الاحتماء به، و هو بالطبع من دواعي السعادة و الحبور، الا أنهم أفرطوا و أسرفوا و استزادوا من تفریع الفروع لدرجة کأنما هم أنفسهم أیضا ضاعوا في متاهات تلـﻚ التشعبات، و ربما نسوا تماما منذ البدایة ما هو أصلاً سبب دخولهم في هذه المناقشات.
الهامش الثاني من ذلـﻚ الطرف الآخر ایضاً کان الی حد ما یحظي دوما بالدعایة، احیاناً ساخن جداً و حیناً حار علی الأقل ، لحد ربما لا یمکن القول أنه طوال قرن مثلا، حتی مؤقتاً لبضع سنین لم تفتر هذه المناقشات من حرارتها و رواجها السابقة. حتی یمکن القول أن في هذا الهامش کانت و لا تزال المناقشات نوعاً ما اکثر جاذبیة و اکثر أقبالاً من قبل الزبائن. کأنما کان «للأنسان» ممتع و ملفت جداً حیث أن مثل هذه الظاهرة التي لا بدیل و لا مثیل لها مثل «القرآن» في عالَم الخلقة ینسبه لنفسه و ینکر او یشکـﻚ علی الأقل في انتسابها لرب صاحب القرآن بشکل ضمني او بصورة علنیة.
من البدیهي و واضح جداً لمثل هذا «البشر» المتبج المتباهي الذي یتحدث هراءاً و یدعي کثیراً و لا یمکنه أن یدعي أنه خالق السموات و الأرض؛ او خالق نفسه؛ او خالق شجرة او شُجیرة ورد، فأن جاذبیة هذا النقاش لم ولن یخفت بریقه ابداً.
مما لابد منه و لا مناص، انه یجب هنا الاشارة الی اکبر و اکثر المناقشات تداولا و طرحاً في القرن الرابع عشر الهجري في مصر و سائر الاوساط و المراکز العلمیة بالعالم الاسلامي، و لو باختصار، الا و هی قضیّة «کتاب العربیة الاکبر» مع اولئـﻚ الاساتذة الکبار و المفکرین المکافحین و المصلحین العظماء الداعمین لهذا المشروع او هذه النظریة العلمیة و المقبولة تقریبا في کل مکان بمقیاس واسع، الاقسام العلمیة المعتبرة، الکلیات و الجامعات الرزینة و العلماء و اصحاب وجهات النظر المشهورین. في حین أن هذا التعبیر الملفت و الجذاب جداً کان یتضمن جلیاً تناقضاً عظیماً، و المدهش کیف تم الرکون الیه في کل مکان و قبوله!؟
ذلـﻚ التناقض الواضح کان عبارة عن أنه اذا کان القرآن کتاباً عربیاً فریداً و وحیداً و عدیم النظیر و البدیل، و کتاب العربیة الکبیر، و کتاب لم یکن له مثیل منذ بدء تاریخ اللغة و الأدب العربي العریق و لامنافس له في العصر الحاضر و لن یکون له نظیر في المستقبل أیضاً، فکیف یدعي فوراً طراحو هذا العنوان و مصممو هذا المیثاق العلمي و الادبي و أصحاب هذه النظریة المتجذرة و الصاخبة، بکل صراحة أن کتاب العربیة الاکبر، مجرد نتاج بشري محض فحسب و لیس هناﻙ أي انتساب حصري و مباشر بینه و بین الله إطلاقاً!؟
هذه الجماعة، لا یعتقدون بان القرآن «قدیم» بأيّ تعریف و بیان، و لا یرون أن القرآن «حادث» بشتی انواع التعریف و البیان لمعتقدي کون القرآن حادثاً. إن هذه الزمرة إفترقوا تماماً عن مسار المناقشات القدیمة و العتیقة و ینفخون دوما في مزمار التناقض الذاتي الکبیر و حدیث الظهور، و تحت تاثیر هذا المزمار المدوي و الطبول و الأبواق التي کانت و لا تزال تشیعها، تلقتها الاوساط و المجموعات العلمیة و الأدبیة لاسیما العلماء و الأفاضل بالقبول و یدعمونها!!
الجدیر بالاهتمام و الملفت في هذا الهامش أیضاً أن صورة المسألة ممسوح تماماً؛ «صورة المسألة» التي یبتغي الکتاب الحاضر بحول الله و قدرته أن یطرحه بکل جد و استحقاق، مرفقاً بالرسم البیانی التفصیلی و الشامل و القیام باذن الله بطرحه و شرحه.
«صورة المسألة» عبارة عن «فطرة القرآن الالهیة الأنسانیة». أي نص ذلـﻚ الهامشین الفاعلین و لکن غیر راسخین، و عریقین الا أنه غیر مطلوب و غیر مصقول.
من الجانب الآخر، فان أفضل المناقشات أدت الی هذه النتیجة حیث تم تنزیه الرب في غایة الذروة و الأتساع، ولکن کلما تم تنزیه و تقدیس الله أکثر، ابتعد اکثر من الارض و الزمان و العالم و مکان حیاة الأنسان. رب واحد کبیر جداً جداً و مقدس و منزّه جداً جداً لا شأن له بشأن الانسان و بالمقابل فان «الانسان» أیضاً لاشأن له بمثل هذا الرب الذي سمی الی أرفع و أفضل ذروة العظمة و القدسیة، و قبل بأنه یجب تمشیة أموره بطرق أخری و بأرباب آخرین و تسویة شؤونه المختلفة.
من هذا الجانب أیضاً، کان و لایزال الجمیع منهمـﻚ بهیجاناتهم الأنسانیة و في الواقع «البشریة» و حسب المقولة المعروفة لیس لدیه الوقت لیحـﻚ رأسه. المناقشات داعیة جداً للامواج و أن راکبي الامواج المحترفین دوما یتحرکون من جانب الی آخر لتحقیق مطالبهم. حصیلة البحث في هذا الهامش ایضاً هو أن عالم البشریة الکبیر و الصاخب قبل القرآن باعتباره ظاهرة بشریة ممتازه و أمسی مفتوناً به بشدة و مستعد بکل الأشکال أن یکون معه صباحاً و مساءاً، و ان یحترمه و یقدره و یضعه في المقدمة. و حتی یعبده!! عدا أنه غیر مستعد اطلاقا اعتبار القرآن کتاب الله و کلام الله سبحانه.
لا یتوقع اکثر من مستوی من القرآن و بنفس ذلـﻚ المستوی الهابط من التعامل ایضا فانه سعید و مقتنع تماماً و لا یشعر باي ضجر، و لیس من المنتظر ان یبادر القرآن بعمل اکثر ولا أبعد من ذلـﻚ. في هذا العصر ،بهذه التجهیزات، فان «الأنسان» بانٍ فرضه علی أساس أنه من بعد مرحلة معینة، یبادر الی إدارة جمیع شوؤنه في سائر الدروب و الأزقة و المتاجر و الأسواق الکبیرة. إن قرآناً أفضل و ما فوق الذروة و عظیم جداً و بالحد الأسمی من المکانة، إلا أن ذلـﻚ ما شأنه بالأنسان، و ما شأن الأنسان بذلـﻚ!؟
طرح موضوع «فطرة القرآن الالهیة الأنسانیة» یسعی لانهاء کل هذه الغربة و الفرقة و العزلة و تعیین الفواصل التي لا تعوض و لا رجعة فیها، و بکلمة واحدة «التغریبة و المهجوریة» القاسیة. طرح دراسة هذا البحث قرآنی بالکامل و أن قضایاه المختلفة في هذا الکتاب من المقرر بأذن الله أن تتم عبر التحلیل و التبیین و التلقین و التدوین، و بالطبع حصریاً في إطار بیان القرآن و باسلوب و بوجهة نظر قرآنیة و دون أي خروج عن الأجواء القرآنیة.
بسم الله الرحمن الرحیم. قل هو الله احد. الله الصمد. لم يلد و لم يولد. و لم يكن له كفوا احد. بسم الله الرحمن الرحیم. قل اعوذ برب الفلق. من شر ما خلق. و من شر غاسق اذا وقب. و من شر النفاثات في العقد. و من شر حاسد اذا حسد. بسم الله الرحمن الرحیم. قل اعوذ برب الناس. ملك الناس. اله الناس. من شر الوسواس الخناس. الذي يوسوس في صدور الناس. من الجنة و الناس.
طهران – 12 بهمن 1401، المطابق اول فبرایر / شباط 2023
محمّدعلي لساني فشارکي